كلمة الدكتور عبد الرحمن العوضي
في افتتاح الدورة الأولى للهيئة العليا للمجلس العربي للاختصاصات الصحية
وثيقة للتاريخ
تُعد كلمـــــــــــة المغفور له بإذن الله معالي الدكتور عبد الرحمــن العوضــي وزير الصحــة الأسبق في دولة الكويــت باعتباره رئيــسًا للدورة الثالثة لمجلس وزراء الصحة العـرب في افتتاح أعمال الدورة الأولى للهيئة العليــا للمجلس العربي بتــاريخ 8 ينايــر (كانون الثاني) 1979 م، واحدة من أهم الوثائق التاريخية التي لخصت فكرة إنشاء المجلس العربي. فقد تناول فيها أهمية إنشاء مجلس طبي عربي يعتمد التدريب العملي الوافي القائم على أًســس علمية باعتباره الركيــــــزة الأساسية في اعداد الطبيب الاختصاصــي.
لقد أشار -رحمه الله تعالى- إلى أن فكرة إنشاء المجلس جاءت من واقع ثقيل وظروف موضوعية في الدول العربية جعلتها تعتمد على خريجين تلقوا تدريبهم في دول أجنبية لم يكونوا على دراية كافية بواقع المشكلات الصحية في بلادهم العربية بسبب غيابهم عنها مُددًا طويلة للدراسة ثم العمل، وكان هذا الغياب يؤثر كثيرا في فهمهم للسياق الصحي في دولهم وقدرتهم على معالجة تحدياته وضبط إيقاع تطوراته، فضلا عن أن فكرة هجرتهم للدراسة ثم العمل كانت تمثل تحديا للأمة العربية من حيث كونها هجرة للعقول العربية المتميزة وخسارة للقوى العاملة فيها، وكانت أمتنا العربية أحق بها ؛ للاستفادة من طاقاتهم وتوظيفها في تطوير القطاعات الصحية المحلية.
وفي نهاية كلمته أكد -رحمه الله تعالى- على أن الدلالة الرمزية لإنشاء المجلس العربي للاختصاصات الطبية ينطوي على معاني حقيقية تتجه نحو إحياء التراث العربي العظيم، حيث كان الأطباء المسلمون وكتبهم مراجع الحضارة الغربية في علم الطب والأمراض، وتُسند إليها أول المعارف الطبية القائمة على المنهج العلمي التجريبي. وفي هذا الاستحضار للمجد التاريخي دعوة لاستعادة هذا الدور واستئنافه مرة أخرى.
ولأن هذه الكلمة تحمل هذه الدلالات الرصينة والمعاني العميقة، فإننا نضعها بين أيديكم باعتبارها وثيقة تاريخية تضمنت فكر تلك المرحلة الأولى من تاريخ المجلس العربي للاختصاصات الصحية، وندعوكم لقراءتها والتأمل في معطياتها الموضوعية وتأشيراتها الاستراتيجية.
بسم الله الرحمن الرحيم }وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا { صدق الله العظيم
أصحاب السعادة الوزراء، السادة أعضاء الوفود المشاركة في الاجتماع، حضرات الأخوات والاخوة الضيوف
في هذا اليوم التاريخي، وبعون من الله العلي القدير، يطيب لي بوصفي رئيساً للدورة الحالية لمجلس وزراء الصحة العرب، أن افتتح الاجتماع الأول للهيئة العليا للمجلس العربي للاختصاصات الطبية. ويسرني أن أرحب بكم في أجمل ترحيب، وأشكركم على تلبيتكم الدعوة لحضور هذا الاجتماع، متمنياً لكم طيب الإقامة في بلدكم الثاني الكويت وداعياً الله أن يكلل أعمال اجتماعنا بالنجاح والتوفيق.
حضرات الأخوة والاخوات، اننا نعيش اليوم لحظات تاريخية نرسي فيها حجر الأساس لأول هيئة عملية طبية، تقام في الوطن العربي الكبير، تهدف الى النهوض بمهنة الطب، وخلق المناخ العلمي الجيد الذي يمكن الأطباء العرب من العمل على رفع مستواهم العلمي والعملي في مختلف الاختصاصات الطبية – داخل وطنهم – بما يواكب التطور العلمي المضطرد في مجال العلوم الطبية، وصولا الى النهوض بمستوى الخدمات الصحية في وطننا العربي، ولنحقق في النهاية هدفنا الأساسي، ألا وهو توفير الصحة والرفاهية لكل فرد من أفراد أمتنا العربية المجيدة.
حضرات الأخوة والاخوات، لقد كان انشاء المجلس العربي للاختصاصات الطبية، نتيجة لدراسات مكثفة وثمرة جهود عربية مخلصة، من قبل مجلس وزراء الصحة العرب، ومكتبه التنفيذي بالتعاون مع مجموعة من الخبراء في التعليم الطبي والخدمات الصحية في الدول العربية الى هيئة طبية عربية تتولى الشؤون المتعلقة بتدريب الأطباء العرب في مختلف الاختصاصات بالتعاون مع الهيئات الأكاديمية العلمية، التي تقوم بدور المنتج ومؤسسات الخدمات الصحية – التي تقوم بدور المستهلك – وبذلك يمكن لهذه الهيئة أن تضع أسس التدريب اللازم للأطباء كماً ونوعاً، في ضوء احتياجاتنا الفعلية، وظروفنا البيئية، آخذين في الاعتبار أن التدريب الوافي القائم على أًسس علمية هو الركيزة الأساسية في اعداد الطبيب الاختصاصي، بما يخول منحة شهادة الاختصاص وليس عكس ذلك كما هو متبع في غالبية المجالس الطبية الأجنبية، والتي تعول على الدراسة النظرية البحتة دون الاهتمام بالتدريب العملي. ومما تجدر الإشارة اليه في هذا المجال، أن هذه أول مبادرة فعلية تحقق للتخصص الطبي الجمع بين الخبرة العملية التي تتفق مع احتياجات المنطقة وبين المعرفة العلمية الأكاديمية حيث اننا حتى الآن نعتمد اعتمادا كليا على الخريجين من ذوي الاختصاصات الاكلينيكية من خارج المنطقة العربية. وهؤلاء الخريجون من الأسف الشديد وبحكم دراستهم في الخارج لم يكونوا على دراية تامة بمشاكل المنطقة الصحية، كما أن دراستهم في الخارج لمدة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات هي خسارة للقوى العاملة في الجهاز الطبي بالدول العربية ولقد أدى تخصص الأطباء ودراستهم في الخارج الى تسرب وهجرة الأدمغة الطبية العربية في ضوء اغراءات متعددة من الدول المتقدمة كبريطانيا وألمانيا وأمريكا وكندا وأستراليا حتى أصبح عدد الأطباء العرب العاملين في هذه البلاد في الوقت الحاضر ما يقارب العشرين ألف طبيب، ولا شك أن هذه خسارة كبيرة لأمتنا العربية ، ولكل هذه الاعتبارات، ولما شعرت به وزارات الصحة في الدول العربية من فراغ كبير في مجال التدريب الاكلينيكي المتخصص ، وعدم وجود توافق بين الخريجين الذين تلقوا تدريبهم في الخارج وبين الاحتياجات الفعلية لمنطقتنا وحيث أن الخدمات الطبية قد أصبحت من المسؤوليات الرئيسية للحكومات في غالبية الدول العربية ، لذلك كله كانت مبادرة وزراء الصحة العرب تحقيقاً للهدف المنشود ولتلافي ما تعانيه من قصور في مجال الاختصاصات الطبية وذلك بإنشاء مجلس الاختصاصات الطبية الذي نفتتح اليوم بعون الله الاجتماع الأول لهيئته العليا، وقد أُخذ في الاعتبار في تشكيلات هذا المجلس أن تضم ممثلين عن المنتجين (أي كليات الطب)، وممثلين عن المستهلكين (أي وزارات الصحة في البلدان العربية)، وفي اعتقادي أن هذا التنظيم فريد من نوعه لأنه يجمع بين الجهات المعنية والمسؤولة عن تقديم الخدمة الطبية للمريض وأن كان قد روعي في تمثيل المنتجين في تشكيلات المجلس أن يكون بعدد أكبر الا أنه راعى بصورة أساسية تمثيل وزارات الصحة بصفتها الجهات المشرفة والمنظمة للخدمات الطبية في البلاد العربية تحقيقا للتكامل والتنسيق المنشود.
حضرات الأخوة والاخوات، ان انشاء المجلس العربي للاختصاصات الطبية، ما هو الا خطوة على طريق احياء تراثنا العربي العظيم وتاريخنا المجيد في مختلف مجالات العلم والمعرفة بصورة عامة وفي العلوم الطبية بصورة خاصة ولابد أن نذكر بالفخر والاعتزاز أن العرب هم أول من فجر ينابيع الفكر والمعرفة وهم أول من أضاء منارة العلم والتكنولوجيا التي بددت الظلام والجهالة التي سادت العصور الغابرة، ويكفي أن نذكر هنا على سبيل المثال – والذكرى تنفع المؤمنين – أن مؤلفات ابن سينا والرازي كانت المراجع الوحيدة على علوم الطب في العصور الوسطى في أوروبا، ومازالت هذه المؤلفات تدرس الى يومنا هذا في أكبر جامعات العالم وهي خير شاهد على عراقتنا وأصالتنا وتاريخنا الشامخ العظيم.. وليكن هذا التاريخ المجيد والتراث العظيم أكبر دافع لنا للمضي قدماً في العمل الجاد المخلص حتى نعيد لامتنا العربية عزها ومجدها. وليكن رائدنا دائما قول الحق سبحانه وتعالى " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ".
حضرات الأخوة والاخوات، إن الكويت لتعتز كل الاعتزاز بإقامة هذه المؤسسة العلمية العربية الشامخة على أرضها ايماناً منها بأهمية الرسالة السامية للعلم والعلماء، وايمانا منها بأهمية العمل العربي المشترك والتعاون العربي البناء في كافة المجالات بما يعود على امتنا العربية بالخير والعزة والرخاء. وأرجو أن تسمحوا لي أن أتقدم باسمكم جميعا الى حضرة صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الصباح أمير البلاد، وسمو الشيخ سعد العبد الله الصباح ولي العهد رئيس مجلس الوزراء بخالص الشكر والتقدير لاستضافة اجتماعنا هذا بالكويت، وللموافقة على التقدم لاجتماعكم الموقر باقتراح استضافة المقر الدائم للمجلس العربي للاختصاصات الطبية وأمانته العامة بالكويت. وفي ختام كلمتي أُرحب مرة أُخرى بالأخوة وزراء الصحة والسادة الزملاء أعضاء الوفود المشاركة في الاجتماع وأسأل الله العلي القدير أن يكلل اجتماعاتنا بالتوفيق والسداد، وأن يوفقنا جميعا لما فيه خير أمتنا العربية المجيدة والإنسانية جمعاء. والسلام عليكم ورحمة الله،،، |