مواكبة للاتجاهات المعاصرة في التعليم والتدريب الطبي التخصصي، انتهج المجلس العربي للاختصاصات الصحية في رؤيته الجديدة وانطلاقته وضع استراتيجية طموحة تقوم على تجويد كافة مخرجات العملية التدريبية للأطباء المنخرطين في برامج المجلس المختلفة، وذلك بتطوير منظومتي الاعتماد المؤسسي والبرامجي، وتحديث مناهج التدريب؛ لجعلها قائمة على الكفايات، واتباع الممارسات الفضلى في التقويم والامتحانات، وصولا إلى ترسيخ مفهومي التطوير المهني المستمر والتعلم مدى الحياة.

تقوم فلسفة التعليم والتدريب الطبي الحديثة في إحدى أهم توصياتها على ضرورة جاهزية وقدرة المؤسسات الصحية على تخريج أطباء علماء (Physician Scientist) ، قادرين على انتهاج التفكير العلمي الناقد البناء، المستند الى الأدلة والبراهين العلمية، المتسلحين بالمعرفة والمهارات اللازمة لإجراء البحوث العلمية الرصينة، وحل المشكلات الطبية والصحية الناشئة في مجتمعاتهم ومؤسساتهم التي يعملون بها، والمتمكنين بالكفاءة المهنية الرفيعة للتفاعل مع الجهد العلمي التراكمي العالمي والمساهمة فيه، ولغايات دعم هذا المحور المهم فقد أحسنت الأمانة العامة صنعًا بتشكيل لجان متخصصة هذا العام لمنح شهادات تقديرية وجوائز للمتفوقين والمتميزين في الأداء والبحث العلمي تزامنًا مع الاحتفالية المركزية للمجلس التي ستعقد  في شهر (شباط) من العام الجاري، حيث سيكون هذا التكريم علامة بارزة في هذه الفعالية، وربما سيصبح سنة حميدة في الأعوام القادمة.

تشرفت بعضوية اللجنتين اللتين قامتا بالتقييم، وقد أثلج صدورنا وأقر عيوننا وجود أسماء كثيرة في قوائم الترشيح الأولية تنم عن تميز واضح وجلي لعدد كبير من الأطباء المتدربين في التخصصات جميعًا، وكلهم جديرون بالتقدير ويستحقونه أصالة، ولكن كان لا بد من الممايزة والاختيار من بينهم لمحدودية العدد المطلوب للتكريم، وقد أجريت المفاضلة وفق معايير دقيقة ومصفوفات منهجية وضعت بعناية بعد دراسة دقيقة وفائقة، وقد دَهِشت اللجنة وبصورة فاقت كل التوقعات عندما وجدت أن بعض الأطباء المتدربين قد تمكن من النشر خلال فترة تدريبه بحوثًا علمية في مجلات طبية مرموقة محكمة ورصينة وصل عددها لأحدى الطبيبات (27) بحثًا، كانت الباحث الأول في العديد منها، وجلها أو كلها منشور في محركات البحث الطبية العريقة مثل (PubMed) و (Scopus) ، وبمؤشر بحثي يعكس عدد الاستشهادات والانتشار (H-Index) لأحد الباحثين بلغ (9) وهو ما يعتبر بالمقاييس الأكاديمية والبحثية موازيا ومتوقعا لإنتاج علمي بحثي لأستاذ مشارك على الأقل في أي من كليات الطب العربية.

وجدت اللجنة أيضًا أن الإنتاج البحثي العلمي -لهذه الثلة المتميزة من الأطباء الشباب الواعدين- تناول مساحة واسعة من مجالات البحث العلمي شملت تخصصاتهم الطبية الدقيقة، وأنهم استخدموا منهجيات وتقنيات حديثة فيها مثل البيولوجيا الجزيئية وعلم الوراثة والخلايا الجذعية، وامتدت لتشمل أثر الجائحة الأخيرة على جودة الرعاية الصحية والصحة النفسية للمرضى، والصحة العامة، والشأن الصحي الخاص والعام؛ ليؤكد هذا على انخراطهم بالقضايا الصحية والطبية الراهنة، انطلاقًا من شعورهم بالمسؤولية المجتمعية وممارسةً لدورهم القيادي والريادي في أوطانهم ومجتمعاتهم.

ان هذ التكريم المستحق لهذه الطليعة المتميزة من أبنائنا الأطباء الشباب يُشعرنا بقدر كبير من الفخر والسعادة والحماس، وهو بالتأكيد خطوة في الاتجاه الصحيح تتبعه خطوات ومبادرات قادمة بإذن الله، ومحطة جديدة في مسيرة المجلس والتي نأمل أن تشكل حافزًا ودافعًا لكافة المؤسسات الصحية في وطننا العربي الكبير ولأطبائنا المدربين والمتدربين للاهتمام بالبحث العلمي كمحور هام من محاور التدريب والإرشاد ودعمه بشتى الوسائل ليحافظ خريجو المجلس العربي للاختصاصات الصحية على تميزهم، ودرجة تنافسيتهم العالية وسمعتهم وجاهزيتهم المهنية والعلمية والبحثية في المحافل والمعاهد الطبية الإقليمية والعالمية.

وسعيًا لتحقيق كل هذه الغايات تحرص الأمانة العامة على مراقبة جودة الأداء والمخرجات من خلال أحد أذرعتها الأكاديمية الرئيسة، وهي لجنة الاعتماد وضمان الجودة، والتي تتبنى مؤشرات هامة لجودة التدريب في دليل الاعتماد - الذي اعتمد مؤخرًا - من ضمنها مدى توفر البيئة المحفزة والملائمة لتميز المتدربين وتفوقهم أثناء مراحل تدريبهم وتقييمهم، وتنمية قدراتهم على المشاركة الفاعلة في البحث والنشر العلمي.

بوركت الهمم العالية والجهود الخيّرة المخلصة والتي تعمل على مدار الساعة من خلال الأمانة العامة والهيئة العليا والمكتب التنفيذي والمجالس العلمية واللجان والمكاتب الأكاديمية لخدمة أهداف المجلس في دعم منظومة الخدمات الصحية والتعليم الطبي التخصصي وتطويرها في الوطن العربي، والله ولي التوفيق والنجاح والسداد.

الأستاذ الدكتور إسماعيل مطالقه

عضو الهيئة العليا- المملكة الأردنية الهاشمية

رئيس لجنة الاعتماد وضمان الجودة